الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
عبد الله وعوف ومحمد: أولاد جعفر بن أبي طالب. سعيد وأمه: ابنا خالد سعيد بن العاص. عبد الله بن المطلب محمد بن أبي جعفر محمد بن حاطب زينب بنت أبي سلمة قال محمد بن إسحاق: كان جميع مَنْ لحق بأرض الحبشة من المسلمين سواء أبناؤهم الذين خرجوا بهم صغارًا أو ولدوا بها نيفًا وثمانين رجلًا إن كان عمار منهم وابن إسحاق يشك في عمار. وذكر الواقدي أنهم كانوا ثلاثة وثمانين رجلًا النساء إحدى عشرة قرشية وسبع غرائب فلما سمعوا بمهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلًا وثمان نسوة فمات منهم رجلان بمكة وحبس منهم سبعة وشهد بدرًا منهم أربعة وعشرون رجلًا. فصل قال مؤلف الكتاب: ولما خرج المسلمون إِلى الحبشة ومنع الله تعالى نبيه عليه السلام بعمه أبي طالب ورأت قريش أن لا سبيل لهم عليه رموه بالسحر والكهانة والجنون وقالوا: شاعر ثم بالغوا في أذاه. فما فعلوه: ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: حضرت قريشًا وقد اجتمع أشرافهم يومًا في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صرنا إليه من هذا الرجل قد سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب آلهتنا وقيل: ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا لقد صبرنا منه على أمر عظيم فبينما هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى أستلم الركن ثم مر طائفًا بالبيت فلما مر غمزوه ببعض القول قال فعرفت ذلك في وجه رسول الله ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجه رسول الله ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها فوقف فقال: " ألا تسمعون يا معاشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذًبْح ". قال: فأخذت القوم كلمته حتى ما بينهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع وحتى أن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليلقاه بأحسن ما كان يجد من القول حتى أنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم راشدًا فو الله ما كنت جهولًا. فانصرف رسول الله حتى إِذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم. فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا لما كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم أنا الذي أقول ذلك " فلقد رأيت رجلًا منهم أخذ مجمع ردائه وقام أبو بكر دونه وهو يقول: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله. ثم انصرفوا عنه. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر بن أبي خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر فتعاهدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى: لو قد رأينا محمدًا قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله فأقبلت فاطمة تبكي حتى دخلت على أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هؤلاء الملأ من قريش من قومك في الحجر قد تعاهدوا أن لو رأوك قاموا إليك يقتلونك فليس معهم رجل إلا قد عرف نصيبه من بدنك. فقال: " يا بنية أرني وضوءًا " فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد فلما رأوه قالوا: هو هذا هو هذا. فخفضوا أبصارهم وعقروا في مجالسهم فلم يرفعوا إليه أبصارهم ولم يقم منهم رجل فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم فأخذ قبضة من تراب فحصبهم بها. وقال: " شاهت الوجوه " فما أصاب رجل منهم حصاة إلا قتل يوم بدرٍ كافرًا ". قال أحمد: وحدثنا علي بن عبد الله هو ابن المديني قال: أخبرنا الوليد بن مسلم قال: حدثني الأوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: حدثني محمد بن إبراهيم التيمي قال: حدثني عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول صلى الله عليه وسلم. قال: بينا رسول الله بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى به في عنقه فخنقه به خنقًا شديدًا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " أتقتلون رجلًا أن يقول ربي اللّه وقد جاءكم بالبينات من ربكم ". قال أحمد: وحدثنا وهب بن جرير قال: أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش غير يوم واحد فإنه كان يصلي ورهط من قريش جلوس وسلا جزورٍ قريب منهم فقالوا: مَنْ يأخذ هذا السلا فيلقيه على ظهره فقال عقبة بن أبي معيط: أنا. فأخذه فألقاه على ظهره فلم يزل ساجدًا حتى جاءت فاطمة فأخذته عن ظهره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم عليك بالملأِ من قريش اللهم عليك بعتبة بن ربيعة اللهم عليك بشيبة بن ربيعة. اللهم عليك بأبي جهل بن هشام اللهم عليك بعقبة بن أبي معيط اللهم عليك بأبي بن خلف " أو أمية بن خلف. فقال عبد الله: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعًا ثم سحبوا إلى القليب غير أبي أو أمية فإنه كان رجلًا ضخمًا فتقطع. أخرجه البخاري ومسلم. وانفرد بالذي قبله البخاري رحمه الله. قال مؤلف الكتاب: فلما كثرت أنواع الأذى التي لقيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين استتر في دار الأرقم بن أبي الأرقم وهي التي تسمى الآن دار الخيزران. فصل قال مؤلف الكتاب: فلما استقر قرار المهاجرين إلى الحبشة اجتهد المشركون في كيدهم فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى النجاشي بهدايا ليسلمهم إليهم. أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن علي قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرني يعقوب قال: حدٌثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي أمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى فلما بلغ ذلك قريشًَا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين وأن يهدوا له هداياهما يستطرف من متاع مكة وأمروهم أمرهم وكان أعجب ما يأتيهم منها الأدم فجمعوا له أدمًا كثيرًا ولم يتركوا من بطارقته بطريقًا إلا أهدوا إليه هدية ثم بعثوا بذلك عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وأمروهم أمرهم وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ثم قدموا إلى النجاشي هداياه ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم فخرجا فقدما على النجاشي فدفعا إلى كل بطريق هديته وقالا لهم: إنه قد صبأ إلى بلاد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردوهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه تسليمهم إلينا ولا نكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عيبًا. فقالوا: نعم. ثم قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهم تكلما فقالا له: إنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لنردهم إليهم فهم أعلى بهم وأعلم بما عابوا عليهم. فقال بطارقته: صدقوا فأسلمهم إليهما. فغضب النجاشي وقال: لا وأيم الله إذن لا أسلمهم إليهما ولا أكاد قومًا جاورني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم فإن كانوا كما يقولان سلمتهم إليهما وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهم وأحسنت جوارهم ما جاوروني. ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم فلما أن جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه فقالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائن في ذلك ما هو كائن فلما جاءوه وقد دعى النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال: ما هذا الدين الذيِ فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين اخر من هذه الأمم قالت: وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب. فقال له: أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف وكنا على ذلك حتى بعَثَ الله تعالى إلينا رسولًا منا نعرف صدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباءنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن: الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات وأمرنا: أن نعبد الله لا نشرك به شيئًا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاءنا به فعبدنا الله عز وجل وحده فلم نشرك به شيئًا وحرمنا ما حرم الله علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدى علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان وأن يستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. قالت: فقال لهم النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله عز وجل فقال له جعفر: نعم: قال: فاقرأه عليَ فقرأ عليه صدرًا من " كهيعص " فبكى النجاشي حتى خضلت لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم. ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فو الله لا أسلمكم إليهما أبدًا. قالت: فلما خرجنا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غدًا أعيبهم عنده بما أستأصل به خضراءهم. فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل فإن لهم أرحامًا. قال: فو الله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد قالت: ثم غدا عليه الغد فقال له: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا فأرسل إليهم فاسألهم عمَّا يقولون فيه. قالت: فأرسل إليهم فسألهم عنه قالت: ولم يزل بنا مثلها فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه قالوا: نقول والله فيه ما قال الله عز وجل وما جاء به نبينا كائن في ذلك ما هو كائن فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى بن مريم. قال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم: " هو عبد الله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول " قالت: فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودًا ثم قال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود. ثم قال: إذهبوا فأنتم سيوم بأرضي والسيوم الآمنون من سلمِ عزم من سلم عزم من سلم عزم ما أحب أن أدير ذهبًا وإني أذيت منكم رجلًا. والدير بلسان الحبشة: الحبل ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها فو الله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه. قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار وخير جار. قالت: فو الله إنا على ذلك فأنزل به من ينازعه في ملكه. قالت: فو الله ما علمنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفًا أن يظهر ذلك الملك على النجاشي فلا يعرف من حقنا ما كان يعرفه. قال: فسار النجاشي وبينهما عرض النيل فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر قالت: فقال الزبير: أنا قالت: وكان من أحدث القوم سنًا. قالت: فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم. قالت: ودعونا الله عز وجل للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده فاستوثق له أمر الحبشة. فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة. مولاة حذيفة بن المغيرة وهي أم عمار بن ياسر أسلمت بمكة قديمًا وكانت ممن يعذب في الله عز وجل لترجع عن دينها فلم تفعل فمر بها أبو جهل فطعنها في قلبها فماتت وكانت عجوزًا كبيرة فهي أول شهيدة في الإسلام. ومن الحوادث في سنة ست من النبوة فمن ذلك: إسلام حمزة وعمر: وقيل إن ذلك في سنة خمس. وأما سبب إسلام حمزة: فروى ابن إسحاق: أن أبا جهل مرَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس عند الصفا فأذأه وشتمه ونال منه بعض ما يكره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مولاة لعبد اللّه بن جدعان في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك ثم انصرف فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحًا قوسه راجعًا من قنص له وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان أعز قريش وأشدها شكيمة فلما مر بالمولاة قالت له: يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد أنفًا من أبي الحكم بن هشام وجده ها هنا جالسًا فسبه وأذاه وبلغ منه فلم يكلمه محمد فاحتمل حمزة الغضب فخرج سريعًا فدخل المسجد فرأى أبا جهل جالسًا في القوم فضربه بالقوس ضربة شجه بها شجة منكرة وقال له: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول فرد ذلك علي إن استطعت. وتم حمزة على إسلامه فعرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وأن عمه حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون وأما سبب إسلام عمر: ففيه ثلاثة أقوال سنذكرها في باب خلافة عمر رضي اللّه ومن الحوادث في سنة سبع من النبوة وقعة بعاث: وكانت بين الأوس والخزرج. أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي البزاز قال: أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الهثيم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن قال: قال زيد بن ثابت: كانت وقعة بعاث ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قد تنبأ ودعا إلى الإسلام ثم هاجر بعدها بست سنين إلى المدينة وكان حضير أبو أسيد بن حضير رئيس الأوس يوم بعاث وقد قيل إنها كانت قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا أبو علي بن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: أخبرنا أبي عن إسحاق قال: حدثني حسين بن عبد الرحمن عن محمود بن لبيد قال: لما قدم أبو الجليس أنس بن نافع ومعه فتية من بني عبد الأشهل منهم: إياس معاذ يلتمس الحلف من قريش على قومهم من الخزرج فسمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجلس إليهم فقال لهم: " هل لكم إلى خير مما جئتم له " قالوا: وما ذاك قال: " أنا رسول الله بعثني الله إلى العباد أدعوهم أن يعبدوا الله لا يشركوا به شيئًا وأنزل علي كتاب كريم ثم ذكر الإسلام وتلا عليهم القرآن. فقال إياس بن معاذ وكان غلامًا حدثًا: أي قوم هذا والله خير مما جئتم له فأخذ أبو الجليس حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفوا إلى المدينة. وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج فلم يلبث إياس بن معاذ أن هلك. قال محمود بن لبيد: فأخبرني مَنْ حضره من قومي عند موته أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات وما كانوا يشكون أنه قد مات مسلمًا لقد كان يستشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال مؤلف الكتاب: فيها نزل قول الله تعالى: " قال يحيى بن يعمر: بعث قيصر رجلًا يدعى قطمه بجيش من الروم وبعث كسرى بشهربراز فالتقيا بأذرعات وبصرى وهما أدنى الشام إليكم فلقيت فارس الروم فغلبتهم فارس ففرح بذلك كفار قريش وكرهه المسلمون فأنزل الله تعالى وقال علماء السير: وقد فرح المشركون وشق على المسلمين لأن فارس لم يكن لهم كتاب وكانوا يجحدون البعث ويعبدون الأصنام وكان الروم أصحاب كتاب فقال المشركون لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم فإن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فنزلت هذه الآية فخرج بها أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى المشركين فقالوا: هذا كلام صاحبك فقال: الله أنزل هذا فقالوا لأبي بكر: نراهنك على أن الروم لا تغلب فارس فقال أبو بكر: البضع ما بين الثلاث إلى التسع فقالوا: الوسط من ذلك ست فوضعوا الرهان وذلك قبل أن يُحرم الرهان وكان الرهن عشر قلائص إلى عشر قلائص فرجع أبو بكر إلى أصحابه فأخبرهم فلاموه وقالوا: هلا أقررتها كما أقرها الله لو شاء أن يقول ستًا فخرج أبو بكر: أزيدكم في الخطر وأزيدكم في الأجل إلى تسع سنين. فقهرهم أبو بكر وأخذ رهانهم فظهرت الروم على فارس بعد سبع سنين ووافق التقاؤهم يوم بدر. ومن الحوادث في هذه السنة أنه لما أسلم حمزة وعمر رضي الله عنهما وحمى النجاشي من عنده من المسلمين وحامى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب فشا الإسلام في القبائل واجتهد المشركون في إخفاء ذلك النور وروى الواقدي عن أشياخه أنهم حصروهم في أول سنة سبع من النبوة وقطعوا عنهم الميرة والمارة فكانوا لا يخرجون إلا من هو منهم حتى بلغهم الجهد وسُمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب فمن قريش مَنْ سره ذلك ومنهم مَنْ ساءه وكان خروجهم في السنة العاشرة وكان هشام بن عمرو بن ربيعة أفضل قريش لبني هاشم حين حصروا في الشعب أدخل عليهم في ليلة ثلاثة أحمال طعام فعلمت بذلك قريش فمشوا إليه فكلموه في ذلك فقال: إني عائد بشي بخالفكم ثم عاد الثانية فأدخل حملًا أو حملين ليلًا فغالظته قريش وهموا به فقال أبو سفيان بن حرب دعوه رجل وصل رحمه أما إني أحلف بالله لو فعلنا مثل ما فعل كان أجمل بنا ثم أن هشامًا أسلم يوم الفتح. واختلف العلماء في سبب نقض حكم الصحيفة على قولين أحدهما: أن الله تعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على أمر صحيفتهم وأن الأرضة قد أكلت ما كان فيها من جور وظلم وبقي ما كان فيها من ذكر الله تعالى فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب فقال أبو طالب: أحق ما تخبرني به يا ابن أخي. قال: نعم والله. فذكر ذلك أبو طالب لأخوته وقال: والله ما كذبني قط. قالوا: فما ترى قال: أرى أن تلبسوا أحسن ثيابكم وتخرجوا إلى قريش فتذكروا ذلك لهم من قبل أن يبلغهم الخبر. فخرجوا حتى دخلوا المسجد فقال أبو طالب: إنَا قد جئنا لأمر فأجيبونا فيه. قالوا: مرحبًا بكم وأهلًا. قال: إن ابن أخي قد أخبرني - ولم يكذبني قط - أن اللّه عز وجل قد سلَّط على صحيفتكم الأرَضة فلحست كل ما فيها من جَوْر أو ظلم أو قطيعة رحم وبقي فيها كل ما ذُكر به اللّه فإن كان ابن أخي صادقًا نزعتم عن سوء رأيكم وإن كان كاذبًا دفعته إليكم فقتلتموه واستحييتموه إن شئتم. قالوا: قد أنصفت. فأرسلوا إلى الصحيفة فلما فتحوها إذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقط في أيدي القوم ثم نكسوا على رؤوسهم. فقال أبو طالب: هل تبين لكم أنكم أولى بالظلم والقطيعة فلم يراجعْهُ أحد منهم ثم انصرفوا. رواه محمد بن سعد عن أشياخ له. والثاني: أن هشام بن عمرو بن الحارث العامري. مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة فقال: يا زهير أرضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت لا يباعون ولا يُبْتَاع منهم ولا ينكِحون ولا ينكَح إليهم أما إِني أحلِفُ بالله: لو كان أخوك أبو الحكَم بن هشام ثم دعوتَه إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك منهم أبدًا. قال: ويحك يا هشام فماذا أصنع إنما أنا رجلٌ واحد والله لو كان معي آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها. قال: قد وجدت رجلًا. قال: مَنْ هو قال: أنا. قال: أبغنا ثالثًا. فذهب إلى المُطعم بن عدي فقال: يا مطعم أقَدْ رَضيت أن يهلِك بَطْنَان من بني عبد مناف وأنت موافق لقريش في ذلك قال: ويحك ماذا أصنعِ إنما أنَا رجلٌ واحد. قال: قد وجدت ثانيًا. قال: مَنْ هو قال: أنا. قال: أبغنا ثالثًا. قال: قد وجدت. قال: مَنْ هو قال: زهير بن أبي أمية قال: أبغنا رابعًا. فذهب إلى أبي البختري بن هشام. فقال له نحوًا مما قال لمطعم بن عدي. فقال: فهل من أحد يُعين على هذا قال: نعم. قال: مَنْ هو قال: زهير والمطعم وأنا معك قال: أبغنا خامسًا. فذهب إلى زمعة بن الأسود فكلمه وذكر له قرابتهم. فقال: وهل لك معين قال: نعم. فسمى له القومَ فاتعدوا خَطْم الحَجون التي بأعلى مكة واجتمعوا هنالك وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضُوها. فقال زهير: أنا أبدؤكم. فلما أصبحوا غَدوْا إلى أنْديتهم وكانت قريش قد تجاوزت الكعبة فكان شق البيت لبني عبد مناف وزهرة وكان ما بين الركن الأسود واليماني لبني مخزوم وتيم وقبائل من قريش ضموا إليهم وكان ظهر البيت لبني جمح وبني سهم وكان شق الحجر - وهو الحطيم - لبني عبد الدار ولبني أسد بن عبد العزى وبني عدي بن كعب فغدا زهير فطاف بالبيت سبعًا ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة إنّا نأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس الثَيابَ وبنو هاشم هَلْكى لا يباعون ولا يبتاع منهم والله لا أقعد حتى تُشقّ هذه الصحيفة القاطعة الظَّالمة. فقال أبو جهل: كذبتَ والله لا تُشقّ. فقال زمعَة بن الأسود: أنت والله أكذبُ ما رَضينا كتابتها حين كتبت. فقال أبو البخترِي: صَدَقَ زمعَةُ لا نرضى ما كتب فيها ولا نُقرّ به: فقال المطعم: صدقتُما وكذب مَنْ قال غيرَ ذلك نبرأ إلى الله منها ومما كُتب فيها. وقال هشام بن عمرو نحوًا من ذلك. فقال أبو جهل: هذا أمرٌ قُضِيَ بليل وتُشُووِرَ فيه بغير هذا المكان فقام المُطعم إلى الصحيفة ليشقَها فوجد الأرَضة قد أكلتها إلا ما كان من " باسمك اللهم ". وقد كتبها منصور بن عِكرمة بن هاشمُ فشلت يده. هذا قول ابن إسحاق. فصل ضماد الأزدي وقدم على رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم ضماد الأزدي. أخبرنا سعد الخير بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا علي بن عبد اللهّ النيسابوري قال: أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عيسى ابن عمرويه الجلودي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان قال: حدثنا مسلم بن الحجاج قال: أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الأعلى قال: أخبرنا داوود عن عمرو بن سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن ضمادًا قدم مكة وكان من أزد شنوءة وكان يُرقِي من هذه الريح فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدًا مجنون. فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يدي. قال: فأتيته فقلت: يا محمد إني أرقي من الريح وإن الله عز وجل يشفي على يدي مَنْ يشاء فهل لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله نحمده ونستعينه مَنْ هداه اللهّ فلا مضل له ومَنْ يضلل اللة فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله أما بعد ". قال: فقال: أعد علي كلماتك هؤلاء. فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغن قاموس البحر هات يدك أبايعك على الإسلام. فبايعه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعلى قومك قال: وعلى قومي. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فمروا بقومه فقال صاحب الجيش: هل أصبتم عن هؤلاء شيئًا. فقال: ردوها فإن هؤلاء قوم ضماد. . منها: موت أبي طالب فإنه توفي للنصف من شوال في هذه السنة وهو ابن بضع وثمانين سنة. ولما مرض أبو طالب دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام. فأخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزاز قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال: حدثني معمر بن راشد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده عبد الله بن أبي أمية وأبا جهل بن هشام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عم قل: لا إِلَهَ إِلا اللّهُ كَلِمَة أشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللّه ". فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطّلب. قال: فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويقول: " يَا عَم قُلْ: لا إِلَهَ إلا اللّه أشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله. " ويقولان له: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب حتى قال آخر كلمة تكلّم بها: أنا على ملة عبد المطلب. ثم مات. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " لأسْتَغْفِرَن لَكَ مَا لَمْ أنْهَ عنك ". فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حتى نزلت هذه الأية: قال محمد بن عمر: وحدثني محمد عبد الله بن أخي الزهري عن أبيه عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعير العُذريّ آلا قال: قال أبو طالب: با ابن أخي واللّه لولا رَهْبَة أن تقول قريش: وهرني الجَزَع فتكون سبة عليك وعلى بني أبيك لفعلت الذي تقول وأقررتُ عينك لما أرى من شكرك ووجْدك ونصيحتك لي. ثم إن أبا طالب دعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد أوما اتبعتم أمره فاتبعوه وأعينوه تَرْشُدوا. فقال أبو طالب: أما إنك لو سألتني الكلمة وأنا صحيح لتابعتُك على الذي تقول ولكني أكره أن أجَزع عند الموت فترى قريش أني أخذتُها جَزَعًا ورددتُها في صحتي. قال محمد بن عمر: وحدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه قال: أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بموت أبي طالب فبكى ثم قال: " اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ وَكَفِّنْهُ وَوَارِه غَفَرَ اللهُ لَهُ وَرَحِمَهُ ". قال ففعلت. قال وجعل رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم يستغفر له أيّامًا ولا يخرج من بيته حتى نزل عليه جبريل عليه السلام بهذه الآية: قال علي: وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلت. قال محمد: وأخبرنا الفضل بن دُكَين قال: حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك الشيخ الضالّ قد مات. قال: اذهب فَوَاره ِوَلاَ تُحَدِثن شَيْئًَا حَتًى تأتِيَنِي. فأتيته فقلت له فأمرني فاغتسلت ثم دعا لي بدعواتٍ ما يسرني ما عُوِّضَ بِهنّ من شيء. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا إبراهيم ابن أبي العباس قال: أخبرنا الحسن بن يزيد الأصم قال: سمعت إسماعيل السُدي يذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: لما توفي أبو طالب أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك الشيخ قد مات. قال: " اذهب فواره ولا تحدث شيئًا حتى تأتيني " قال: فاغتسلت ثم أتيته فدعا لي بدعوات ما يسرني أني لي بها حمر النعم وسودها. قال: وكان علي رضي الله عنه إذا غسل الميت اغتسل وقال ابن عباس: عارض رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة أبي طالب وقال: " وصلت رحمك جزاك الله خيرًا يا عم ". ومن الحوادث: وفاة خديجة رضي اللة عنها بعد أبي طالب بأيام. أخبرنا ابن عبد الباقي قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أمامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: حدثنا محمد بن عمر بن واقد عن محمد بن صالح بن دينار وعبد الرحمن بن عبد العزيز والمنذر بن عبد الله عن بعض أصحابه عن حكيم بن حزام قال: وحدثنا محمد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَيْر قال: لما توفي أبو طالب وخديجة وكان بينهما شهر وخمسة أيام اجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبتان فلزم بيته وأقل الخروج ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع به فبلغ ذلك أبا لهب فجاءه فقال: يا محمد امض لما أردت وما كنت صانعًا إذ كان أبو طالبِ حيًا فاصنعه لا واللات لا يوصل إليك حتى أموت. وسب ابنُ العيطلة النبي صلى الله عليه وسلم فأقبَل عليه أبو لهب فنال منه فولى وهو يصيح: يا معشر قريش صبأ أبو عتبة. فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبي لهب فقال: ما فارقت دين عبد المطب ولكني أمنع ابن أخي أن يضام حتى يمضي لما يريد. فقالوا: قد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم. فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أيامًا يذهب ويأتي لا يعترض له أحد من قريش وهابوا أبا لهب إلى أن جاء عُقبة بن أبي مُعيط وأبو جهل إلى أبي لهبٍ فقالا له: أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك فقال له أبو لهب: يا محمد أين مدخل عبد المطلب قال: " مَعَ قَوْمِه ". قال: فخرج إليهما أبو لهب وقال: قد سألته فقال مَعَ قَوْمِه. فقالا: إنه يزعم أنه في النار. فقال: يا محمد أيدخل عبد المطلب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ وَمَنْ مَاتَ عَلَى مِثْل مَا مَاتَ عَلَيْهِ عَبْدُ المُطَلِب دَخَل النار. فقال أبو لهب: واللّه لا برحتُ لك عدوًًا أبدًا وأنت تزعم أن عبد المطلب في النَار فاشتد عليه هو وسائر قريش. قال محمد بن عمر: وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن أبي الحُويرث عن محمد بن خبير بن مطعم قال: لما توفي أبو طالب تناولت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حينئذ إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة في ليال بقين من شوّال سنة عشر. قال محمد بن عمر - بغير هذا الإسناد -: فأقام بالطائف عشرة أيام. وقال غيره: شهرًا لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه فلم يجيبوه وخافوا على أحداثهم فقالوا: يا محمد اخرج من بلدنا والحقْ لمُجابك من الأرض وَأغْروْا به سفهاءهم. فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى إن رجليه لَتدميان وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شُج في فأسه شجاجًا. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف راجعًا إلى مكة وهو محزون فلما نزل نخلة قام يصلّي فصُرف إليه نفر من الجن سبعة من أهل نَصيبين فاستمعوا وأقاموا بنخلة أيامًا فقال له زيد: كيف تدخل عليهم وهم أخرجوك قال محمد بن كعب القرظي: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عَمَد إلى نفرٍ من ثَقيف - وهم قادة ثقيف وأشرافهم يومئذ - وهم أخوة ثلاثة: عَبْد يا لَيْل ومسعود وحَبيب أولاد عمرو بن عُمير فجلس إليهم فدعاهم إلى الله عز وجل وكلمهم بما جاء له من نُصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه فقال أحدهم: هو يَمرُط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك. وقال آخر: أما وجد الله أحدًا يُرسله غيرك. وقال الثالث: والله لا أكلمك كلمةً أبدًا لئن كنتَ رسولًا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرًا من أن أرُدّ عليك الكلام ولئن كنتَ تكذب على اللّه ما ينبغي لي أن أكلمك. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من نصر ثقيف وأغرَوا به سفهاءهم يسبونه ويَصيحون به حتى اجتمع إليه الناس وألجأوه إلى حائط لعُتبة بن ربيعة وشَيْبَة بن ربيعة وهما فيه ورجع عنه من سفهاء ثَقيف مَنْ كان يتبعه فَعَمَد إلى ظلّ حَبَلةٍ من عنب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه ويَرَيَان ما لقي من سُفهاء ثقيف فلما اطمأن قال فيما ذكر لي: " اللهم إليك أشْكو ضَعْف قُوتي وقِلَّة حيلتي وهَواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت ربّ المستضعفين وأنت ربي إلى مَنْ تَكِلُنِي إلى بعيد فيجهّمني أم إلى عدوٍ ملَكْتَه أمري فإن لم يكن بك عليٌ غَضَب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وَجْهك الذي أشرقتْ له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخره من أنْ تنزل بي غضَبك أو تحلّ عليً سُخْطك لك الرضى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك ". فلما رأى ابنا ربيعة - عُتْبة وشَيْبة - ما لَقي تحركت له رحمُهما فَدَعوا غلامًا لهما نَصرانيًا يقال له: عِدَاس وقالا له: خذ قِطْفًا من هذا العنب وَضَعه في ذلك الطَّبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه - ففعل ثم أقبل به حتى وَضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال: " بسم الله " ثم أكل. فنظر عدَاس إلى وجهه ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ومِنْ أي البلاد أنت وما دينك " قال: أنا نَصْراني وأنا رجل من أهل نِينوى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يُونُس بن متى ". قال له: وما يُدْريك ما يونسُ بن متى. قال: ذاك أخي كان نبيًا وأنا نبي. فأكب عداس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسَه ويَدَيْه ورجليه. قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أمّا غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاءهما قالا له: ويلك يا عداس ما لك تقبل رأسَ هذا الرجل ويدَيه وقدميه قال: يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي.
|